لقد منح الله الإنسان العقل، وفضله به على باقي الكائنات، فهناك من استخدم هذه النعمة في عمارة الأرض، وفعل ماينفع به نفسه والآخرين، ورزقه أيضاً نعمة التفريق بين ماهو صحيح وماهو خاطئ، فضبط له موازين التفكير السليم، بشرط أن يكون الجسم سليماً، لم يفسده صاحبه، فعاش الإنسان السليم حياة معتدلة، متناسقة مع متطلباته ورغباته السليمة .. ومع ذلك .. فقد بدأ الإنسان يستخدم هذا العقل والتفكير في فعل ما يضره، فصنع المخدرات، وظن أنها سبيله للجنة على الأرض .. ولكن ..للأسف، كان هذا أكبر مخالفة للفطرة والتفكير السليم، حيث أصبحت المخدرات سلاح دمار شامل، ما انتشرت في مجتمع إلا أفسدته، وما ابتلي بها أحد إلا وغيرت وجه حياته للأبد.
ولقد انتبه الإنسان لما فعله من خطأ فسارع في البحث عن علاج لهذه الجنة ” المزعومة “فصنع أدوية كثيرة لتكون علاجاً لإدمان المخدرات .. وعلى رأسها “مادة الميثادون” حيث استطاع بهذه المادة المصنعة أن يخفف من معاناة المدمن على المخدرات إذا أراد أن يتوقف عن إدمانه .. ولكن للأسف .. وعلى نفس النهج القديم، بالغ الإنسان في استخدام الدواء .. فتحول إلى داء يحتاج لدواء.
أما أولئك الذين حكموا عقولهم واستطاعوا أن يثبتوا اندفاعها وأفكارهم، فقد استطاعوا أن يستخدموا الدواء كما ينبغي، فجاءت نتائجة فعالة كما يجب .. فما هو الميثادون؟ وما علاقته بالمخدرات؟ ومدى فاعليته في علاج هذه السموم القاتلة؟
هذا ما سنتناولها الآن بصورة وافية، نرجو أن تكون مفيدة لمن يعاني من إدمان المخدرات، أو الأسر التي تعاني من وجود فرد من أفرادها تحت هذا الإدمان البشع.
ماهي مادة الميثادون؟
الميثادون Methadone هو من المسكِّنات القوية المضادَّة للمستقبلاتِ الأفيونيَّة وهو أحد الأدوية المصنعة كمسكن للألم، وهو ضمن مجموعة الافيونات التي من اشهرها دواء المورفين ، ومفعول الميثادون شبيه بمفعول المادة المخدرة الهيروين إلا أنه يتميز بأن له مفعولاً طويل المدى. والميثادون يسبب الإدمان ولكن بصورة أقل من الهيروين كما انه اقل احداثاً للنشوة .
للميثادون عدة استعمالات.. أبرزها:
مسكن قوي للألم:
في عملية إزالة السمية في المدمنين على الهيروين أو العلاجات المورفينية الأخرى، حيث يقلل الميثادون من أعراض الانسحاب التي يسببها التوقف عن تناول مثل هذه العقاقير .
كيف يعمل عقار الميثادون؟
الميثادون من الأدوية المضادة لمستقبلات الأفيون ومن الأدوية المسكنات القوية، حيث يعمل على الحد من عمل مستقبلات المواد الافيونية وبالتالي يقلل من الأعراض الجانبية التي تحدث للمريض من انسحاب المخدر، ويتم تقليل الجرعة تدريجيا إلى أن يشفى المريض، كما أنه يعمل على لجم الرسائل العصبية في الدماغ التي تسبب السعال الجاف الذي يؤدي إلى تهيج الرئة في أمراض سرطان الرئوي ويخفف من شدة الالام باعتباره مسكن أفيوني قوي.
علاقة الميثادون بمخدر الهيروين :
يستخدم الميثادون في مجال علاج الإدمان في حالتين:
الأولى: مساعدة مدمني الهيروين للتخلص من الأعراض الانسحابية عند التوقف عن الهيروين ويتم ذلك داخل المراكز العلاجية ولفترة محددة وبشكل مقنن وليس لهذه الطريقة محاذير كثيرة وأثبتت فعاليتها في تخفيف وعلاج الأعراض الانسحابية التي تحدث عند التوقف عن الهيروين.
الثانية: استخدام الميثادون بديلا للهيروين بعد خروج المدمنين من المراكز العلاجية أو استخدامه من خلال العيادات الخارجية، وهذة الطريقة لجأت لها بعض الدول بسبب وجود عدد كبير من مدمني الهيروين لديهم وذلك بهدف زيادة استقرار هؤلاء المدمنين وانتظامهم بالعمل وتخفيف المضاعفات الصحية والنفسية لديهم وتقليل الجريمة الناتجة عن السلوك الإدماني على الهيروين، وتتم هذه الطريقة تحت قيود مشددة ومن خلال برامج محددة ومرخصة مع وجوب ترخيص للاطباء بهذه البرامج وتتطلب هذه البرامج من المدمن الحضور للمركز بشكل يومي للحصول على الجرعة والتي يجب عليه تناولها تحت اشراف احد المعالجين ويعطى هذا الدواء على شكل سائل لتقليل تلاعب بعض المدمنين بتناول الجرعة وقد ادى استخدام الميثادون في علاج الإدمان إلى العديد من المشاكل بالرغم من القيود المشددة على صرفه.
ويؤدي التساهل بالترخيص للعديد من المراكز لصرفه للمدمنين وكذلك السماح لتوفيره على شكل أقراص (حبوب) الى تفاقم المشاكل الناتجة عن استخدامه ومن ضمن هذه المشاكل تسرب الميثادون واستخدامه من قبل كثير من مدمني الهيروين كبديل الهيروين او استخدامه مع الهيروين وبشكل قانوني ومرخص.
كما قد يؤدي الى ظهور مدمنين جدد على مادة الميثادون، ومن أخطر مضاعفاته حصول الوفاة المفاجئة وهذا ما حصل فعلا حتى في البرامج المقننة وذلك عند اخذ جرعات عالية منه أو عند خلطه مع مواد إدمانية اخرى، كما أن استخدام الميثادون كدواء بديل للهيروين يجب ألا يصبح في متناول الجميع ويحتاج إلى دراسة متأنية وتقنين نظرا لما لهذه الطريقة من مضاعفات على المدمن نفسه وعلى المجتمع.
طريقة استخدام عقار الميثادون:
يتوفر الدواء على شكل محلول شراب في الفم أو أقراص ، أو بالحقن العضلي أو تحت الجلد . يعطى جرعة بمقدار 0.7 ملغ لكل كيلو غرام في اليوم الواحد تقسم على دفعات كل أربع إلى ست ساعات وذلك بحسب حاجة المريض أو جرعة بمقدار 0.1-0.2 ملغ لكل كيلو غرام كل 4-12 ساعة في اليوم بحسب حاجة المريض على ألا تتعدى الجرعة القصوى 10 ملغ في الجرعة الواحدة يعطى عن طريق الحقن الوريدي جرعة بمقدار 0.1 ملغ لكل كيلوغرام من 2-3 جرعات كل أربع ساعات ثم كل 6-12 ساعة وذلك بحسب حاجة المريض على ألا تتعدى الجرعة القصوى 10 ملغ للجرعة الواحدة.
كما أنه يجب اخبار الطبيب المعالج في حال وجود أي من الأمراض أو الاعتلالات التالية، فقد تحتاج بعض الحالات إلى اجراءات احتياطية خاصة أو جرعات معدلة:
- اضطرابات أو آلام غير مشخصة في البطن.
- قصور الغدة الكظرية.
- اضطرابات أو أمراض في المرارة أو المسالك الصفراوية.
- اكتئاب أو هبوط في الجهاز العصبي.
- إصابة أو رضخ سابق الرأس أو الدماغ.
- حالة إدمان سابقة على الكحول أو علاجات أو أي مادة أخرى.
- اضطرابات أو أمراض في الكبد.
- اضطرابات أو أمراض في الكلى.
- تضخم في غدة البروستاتة أو مشاكل في عملية التبول.
- سمنة مفرطة.
- أمراض تنفسية.
- أمراض أو اعتلالات في الغدة الدرقية
الأعراض الجانبية للميثادون:
- التوتر، القلق.
- اضطرابات في النوم فهو عادة ما يسبب الأرق.
- التعب, النعاس.
- جفاف في الفم، غثيان، تقيؤ، إسهال أو إمساك، فقدان الشهية.
- هبوط الرغبة أو القدرة الجنسية.
وعلى المريض أن لا يأخذ أي من العلاجات المهدئة أو المسببة للنعاس (مثل علاجات الأرق وعلاجات الرشح أو الحساسية، والعلاجات المخدرة الأخرى، و علاجات الصرع، و العلاجات المرخية للعضلات) بالتزامن مع العلاج دون استشارة الطبيب إذ قد تزيد من تأثير العلاج المثبط للجهاز العصبي.
كما أنه إذا كان المدمن يتناول أي من الأدوية التالية فلابد أن يخبر الطبيب، فقد يحتاج إلى تعديل الجرعة أو إجراء فحوصات معينة:
- مدرات البول.
- المضادات الحيوية مثل الأزثروميسين،السيبروفلوكسسين، الإرثروميسين.
- مضادات الفطريات مثل الكيتوكونازل، الإتراكونازول و غيرها.
- علاجات أمراض القلب أو ارتفاع ضغط الدم الديلتيازم أو الفيراباميل.
- علاجات فيروس أو مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).
- مثبطات أكسيد أحادي الأمين (مثل الفينلزين).
- المخدرات أو مسكنات الألم الأفيونية الأخرى.
- علاجات الصرع أو الاضطرابات الاختلاجية.
موانع استخدام عقار الميثادون:
- يمنع استخدام الدواء للمرضى المصابين بفرط الحساسية اتجاه الميثادون أو أيا من مكوناته الأخرى.
- يمنع استخدام الدواء للمرضى المصابين بالربو الحاد أو انسداد في المجاري التنفسية.
- يمنع استخدام الدواء للمرضى المصابين بهبوط في الجهاز التنفسي.
- يمنع استخدام الدواء للمرضى المصابين بشلل لفائفي.
- يمنع استخدام الدواء إذا كان المريض مصابا بالإسهال نتيجة للتسمم.
تداخل عقار الميثادون مع الأدوية الأخرى:
يمنع استخدام الدواء بالتزامن مع مثبطات اكسيدار احادي الامين خلال الأربعة عشر يوما من بدء تناول الدواء حتى لا يحدث ارتفاع شديد في الضغط.
كما يجب إبلاغ الطبيب المختص إذا كان المريض يتناول الموكلوبيميد، الباربيتورات، البنزوديازبينات، مضادات الهيستامين، الأقراص المنومة، مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة، مضادات الفطريات من المسكنات الافيونية القوية مثل لالمورفين والكوديين، السيميتيدين، مضادات الاكتئاب التى تستخدم لاسترداد السيروتونين الانتقائي، المضادات الحيوية الماكروليدية، مثبطات البروتياز، الكربامازبين ، الفينيتوئين، الترفينادين، البريميدون، الريفامبيسين، مضادات اضطراب النظم، والسيسابريد، والكينيدين، ومضادات الملاريا.
تحذيرات استخدام عقار الميثادون:
- يجب عدم تناول الدواء لفترة زمنية طويلة حتى لا يعتاد عليه المريض ويضمنه.
- يجب إبلاغ الطبيب المختص إذا كانت المرأة حامل أو تخطط لحمل.
- يجب إبلاغ الطبيب المختص إذا كانت المرأة ترضع رضاعة طبيعية .
- يجب الابتعاد عن تناول فاكهة الجريب فروت.
- يجب الابتعاد عن تناول المشروبات الكحولية أو أي أدوية تهدء من رد فعل المريض.
- يجب الابتعاد عن القيادة أثناء المعالجة.
أنواع وأشكال عقار الميثادون:
تقوم شركات متعددة بإنتاج الميثادون بشكل قانوني للاستخدامات الصيدلانية وينتج الميثادون تحت أسماء تجارية متعددة وتتضمن هذه الأسماء التجارية المشهورة دولفين وأميدون وميثادوز وهيبتادون، ويتم توزيع وتعاطي الميثادون المتداول بشكل غير قانوني تحت أسماء دارجة متعددة، وتتضمن هذه الأسماء: دوليز وجوس وفيزيس ودون وميث (وهو يختلف عن “الكريستال ميث”)، ويعتبر الميثادون المتداول خطيرا جداً لأنه غالبا ما يستحيل تحديد مدى نقائه .
وفي بعض الأحيان ، يبيع مدمنو الهيروين الذين يخضعون لبرامج العلاج القائمة على الميثادون جزءا من حصتهم فيحصل عليها تجار المخدرات بشكل غير قانوني، وغالبا ما يخفونه بأي شيء مثل الماء أو عصير الفاكهة لزيادة أرباحهم، وقد يتم أيضا خلط الميثادون بالمخدرات المحظورة الأخرى مثل عقار ميثيلين ديوكسي ميتامفيتامين أو إم دي إم إيه (الإكستازي)، والاسم المتداول لهذا الخليط هو كعكات رقائق الشوكولاتة.
الدول المنتجة لعقار الميثادون:
تقوم شركات الأدوية على مستوى العالم بتحضير الميثادون بشكل قانوني في الدول المتقدمة، فبعد أن طوره العلماء في ألمانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية، دخل العقار في نطاق الإنتاج التجاري كمسكن للآلام بعد الحرب بفترة قصيرة، ويتم إنتاجه حاليا في المعامل على مستوى العالم بعد الحصول على ترخيص، وذلك في الأماكن النائية جغرافيا مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا والهند و الصين.
على عكس الأفيونات الأخرى مثل الكودين و المورفين، والتي يتم تحضيرها باستخدام منتجات خشخاش الأفيون، يعتبر الميثادون عنصر أفيوني مركب واصطناعي، ولذلك لا يعتمد تحضيره على التوريد من محاصيل الأفيون.
وقد يحصل تجار المخدرات على الميثادون من خلال المرضى الذين يتم وصفه لهم طبيا بشكل قانوني أو إما كبديل للهيروين أو كمسكن للآلام، وقد تتم أيضا سرقته أو الحصول عليه من مصادر صيدلانية أخرى أو من مصحات علاج الإدمان أو غيرها من الأماكن المسموح لها بحيازة المخدر وتوزيعه.
وتعتمد سهولة تدفق الميثادون في السوق السوداء بشكل كبير على القوانين و القيود المطبقة على الاستخدام العلاجي للمخدر، على سبيل المثال، يسمح في المراكز التي تعالج المدمنين بالحصول على كميات أساسية من المخدر بدون رقابة، ومن هنا تظهر المخاطرة الكبرى التي ستصل بعد ذلك إلى تداوله، وقد يتم أيضا تهريب الميثادون من دولة إلى أخرى.
ويترتب على توزيع الميثادون وتعاطيه بشكل غير قانوني عقوبات جنائية مشددة مثل السجن مدى الحياة ولكنه لا يزال متداولا للبيع و الشراء.