في الوقت الذي يمثل فيه الجنس أمرًا صحيًا في العلاقات الزوجية، ينزع بعض الناس إلى ادمان الإباحية وسلوكيات أخرى ترى فيها أوساط في كثير من المجتمعات أنها غير صحية، مثل الدعارة أو الخيانة الزوجية وغيرها..علميًا، وكذلك اجتماعيًا فإن الادمان الجنسي، هو تمضية أوقات الفراغ في سلوك لا يمكنك التحكم فيه حتى لو كان له تداعيات سلبية بكيفية أو بأخرى، ومثلما هو الحال مع ادمان الطعام ، وادمان الإنترنت، وادمان الألعاب الإليكترونية، وادمان التسوق نجد في أغلب الأحيان صعوبة في تحديد الخط الفاصل بين ما هو طبيعي ومقبول، وما هو مرضي وقهري أو ادماني، ولعل كون الجنس نشاطًا مستورًا في أغلب الأحيان – بخلاف النشاط الظاهر مثل الأكل واستخدام الإنترنت والشراء.. الخ- يجعل الصعوبة أكثر، كما يجعل ذلك الستر من شخص مدمن الجنس العارف الوحيد في كثير من الحالات بإدمانه، وعلينا هنا أن ننتبه إلى المأساة الحقيقية التي يقع فيها مدمن الجنس حين يكون العارف الوحيد بإدمانه، لأنه ككل المدمنين يعيش طويلاً فى حالة من النكران والتبرير تعمي بصيرته عن حقيقة ورطته وتؤجل كثيرًا من طلبه المساعدة أو العلاج.
وقبل الحديث عن أعراض ادمان الجنس وعلاماته لابد من تأمل الدور الذي يلعبه المجتمع في تشكيل الأعراض فلن تكون الأعراض والعلامات المعتادة لما يسمى ادمان الجنس في مجتمع ملتزم – شكلاً على الأقل – مثل مجتمعاتنا هي نفسها أعراض ادمان الجنس في البلدان المطلقة للحرية الجنسية كما في الغرب، لن يكون لدينا مثلاً ممارسين للجنس الاستعرائي Exhibitionist sex مثل التعري، أو الممارسة الجنسية في الأماكن العامة كجزء من أعراض ادمان الجنس، ولكن تكون الأعراض لدينا غالبًا مستورة عن الآخرين، فنجد أعراض ادمان الجنس متمثلة مثلاً في ادمان الاستمناء والاعتمادية على المواد الجنسية الإباحية Pornography Dependence فلدينا كثيرون يبقون لساعات يجهزون ويحضرون لأجل الاستمرار في نوبة من نوبات الاستمناء أمام الصور أو الأفلام الجنسية الإباحية، وبعضهم يصل عدد مرات استمنائه أكثر من عشر مرات خلال يوم كامل، وحديثًا من المراهقين فى سن البلوغ من بناتنا وأولادنا مدمنون ومدمنات للجنس الإلكتروني عبر الإنترنت يقضون ساعات في الممارسة الجنسية الإليكترونية، ولا يشك من يطلع على أحوال هؤلاء لحظة أن لديهم أعراضًا وعلامات كافية للوفاء بما يتطلبه تشخيص ادمان الجنس رغم صغر أعمارهم.
ورغم كوننا هنا في مجتمعاتنا نتحدث عن الجنس التخيلي الخالص، أو الجنس التخيلي المساعد بالصور الجنسية، إلا أن معظم تلك الحالات في بلادنا تكون شديدة إلى حد شكوى أصحابها من الانشغال المستمر بالجنس أو الاشتهاء الجنسي المستمر، ومن طغيان التفكير في الجنس على كل الأنشطة الأخرى، أو الانخراط باستمرار في الممارسات الجنسية المفرطة رغم الرغبة في التوقف، مع تكرار الفشل في محاولة الحد من النشاط الجنسي أو ترشيده.. وهذه العلامات وحدها تكفي التشخيص.
ولدينا كذلك أزواج وزوجات يعطون وقتًا وإن كان ليس أطول من اللازم، بل يكون وقتًا مفتوحًا للممارسة الجنسية بشكل يومي ما أمكن..
وبهذا الوصف سمعت شكاوى لزوجات مرضى ولمريضات.. والغريب أن لم تكن شكوى أي من هؤلاء المرضى أصلاً من شيء متعلق بنشاطهم الجنسي، بل كانوا مرضى وسواس قهري Obsessive Compulsive Disorder أو ادمان عقاقير Psychoactive Drug Dependence أو اضطراب ثنائي قطبي Bipolar Disorder أو اكتئاب Depression أو صَرْع Epilepsy ، بينما كانت شكوى الزوجة من فرط الممارسة الجنسية شكوى أساسية في حالات الشذوذ الجنسية أو الاضطرابات ذات العلاقة بها.
المهم أن الإسراف في الممارسة الطبيعية مع الزوجة أو غيرها (أو الزوج أو غيره) أو الزوجات عند المعددين، إضافة إلى الإسراف في أي سلوك جنسي آخر طبيعي، أو شاذ عند مرضى الشذوذ، هذا الإسراف في الجنس يكون مصحوبًا بوضوح بالأضرار والخسائر في مناطق الحياة الأخرى، مثل التمويلات أو التعليم أَو العمل، ويكون مصحوبًا بسوء الصحة الجسدية أو النفسية المعرفية، وبشكل لا يسمح لعاقل أن يقول: “مشروعٌ ما دام مع الزوجة، ذلك أن عواقب الإسراف المزمن في الممارسة الجنسية تكون واضحة بالضرورة”، وليس المقصود هنا أن زوجًا يطلب ممارسة الجنس من زوجته مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، وإنما عادة ما تشتكي المرأة من زوج يطلب الجنس مرة واحدة، أو أكثر غالبًا كل يوم لمدة طويلة، ودون توقف حتى في أيام الدورة الشهرية، وبشكل يجعل الزوجة تشعر بأنها تُستغل أو تُستَخدم أو تهان..
علامات ادمان الجنس:
إن السلوك الجنسي بطبيعته سلوك سري جدًا، فسواء كان الشخص طبيعيًا تجاه الرغبة الجنسية، أو مدمنًا عليها، فإن شواهد قيامه بأي نوع من أنواع العملية الجنسية تعد خفية ومعقدة، ومن الصعب اكتشافها، لذلك فإن علامات مدمن الجنس تحتاج لمتابعة دقيقة، ورصد غير تقليدي، كما يجب أن تكون تلك المراقبة والمتابعة غير ملحوظة، أو مكتشفة من مدمن الجنس، حتى لا تعطي نتائج سلبية غير مرغوب فيها في عملية العلاج.
والفرق بين الادمان على الجنس وممارسة الجنس الطبيعي، هو أن الادمان على الجنس يعني الإصابة بوسواس الجنس، في حين أن الجنس الصحي هو الحاجة العادية لممارسة الجنس بشكل طبيعي مع شريك أو شريكة الحياة.
فالجنس الصحي هو أن توجد الرغبة لممارسته، ومن ثم تتم العودة للحياة الطبيعية، لكن الجنس الوسواسي (أي الادمان) يقبع في الذهن، ولا يخرج منه إن كان من حيث التفكير به أو ممارسته، فالمصاب بالادمان على الجنس يبدأ بالتفكير به بعد لحظة من الممارسة.
الادمان على الجنس يتجلى فى أمرين:
1. حلول الجنس محل الحب.
2. السعي الدائم لممارسة هذا النشاط بشكل مفرط.
ومن علامات الادمان الجنسي:
أولاً:
سيطرة غير طبيعية للسلوك الجنسي على الشخص، سواء كانت تلك السيطرة في تفكيره أو نشاطه أو سلوكه.
ثانيًا:
تجد الشخص المدمن جنسيًا غالبًا ينصب حديثه على الجنس في معظم الأوقات، بل يتعمد أن يحول مسار أي حوار، أو حديث مهما كان نوعه إلى حديث مطول عن الجنس.
ثالثًا:
لا يستطيع مدمن الجنس أن يخلد إلى النوم قبل ممارسة الجنس سواء بالعادة السرية أو ادمان الأفلام الإباحية.
رابعًا:
يكثر مدمن الجنس من ممارسة العادة السرية، حتى ولو كان متزوجًا.
خامسًا:
تكثر لديه حالات الخيانة الزوجية، فعادة يخون زوجته مع عدة نساء، أو تكون لديه الرغبة في ذلك ملحة.
سادسًا:
حرصه الدائم أن يكون على علاقة مع أشخاص يهتمون بهذا المجال.
سابعًا:
قضاء وقت كبير في الأنشطة المتعلقة بالجنس، مثل البحث عن الشركاء، أو قضاء ساعات على الإنترنت في زيارة مواقع أو مشاهدة قنوات اباحية.
ثامنًا:
تصاعد وتيرة النشاط الجنسي مع الوقت لتحقيق التأثير النفسي المطلوب، مثل المزيد من الزيارات المتكررة للبغايا، أو البحث عن عدد أكبر من الشركاء الجنس.
تاسعًا:
التوتر والعصبية عند عدم القدرة على ممارسة ذلك السلوك الجنسي.
أسباب ادمان الجنس:
1. اعتداء جنسي في سن مبكر.
2. التعرض لأحد أنواع الإثارة الجنسية.
3. ممارسة جنسية أو مشاهدة منظر جنسي.
أنواع الممارسات الجنسية:
النوع الأول
1.الخيال: حياة خيالية نشيطة – التفكير والتخيل لأفعال جنسية.
2.العادة السرية: تبدأ في مرحلة المراهقة قد تتوقف وقد تستمر.
3.الصور الإباحية: الآن أصبحت متاحة بصورة أكبر وأوسع انتشارًا.
4.الدعارة: الجنس بمقابل مادي.
5. المجون الجنسي: حفلات لممارسة الجنس الفردي أو الجماعي.
النوع الثاني
1. الافتضاحية: النزوع إلى إظهار الأعضاء الجنسية أو الأفعال الجنسية.
2.اختلاس النظر: من خلال مراقبة الأعضاء، أو أفعال جنسية، مثل امرأة عارية، أو التجسس واختلاس النظر.
3.التجاوز الجنسي: خرق الخصوصية، وتجاوز الحدود بين فردين، مثل (طبيب – مريض)، (مدرس – طالب)، (مدير – موظف).
4. مكالمات تليفونية فاحشة: غالبًا ما تحدث بين شخصين مجهولين من أجل الاستثارة الجنسية.
النوع الثالث
هو المستوى الأكثر خطورة من حيث العواقب القانونية والشرعية، أو التورط في جريمة جنسية، وقد يكون:
1. مدمن جنس.
2. شخصية مضادة للمجتمع.
3.الاغتصاب: الإجبار على ممارسة الجنس مع شريك ليس لديه الرغبة في ذلك، وقد يكون في الزواج.
4.زنا المحارم: ممارسة جسدية، أو شهوة جنسية تجاه أحد أفراد الأسرة.
5.التحرش بالأطفال: الإساءة الجنسية لطفل سواء لمرة واحدة، أو بصفة مستمرة.
كيفية علاج ادمان الجنس؟
من الممكن أن يظهر الادمان الجنسي بطرق عديدة.. والأكثر شيوعًا هو الادمان على الأفلام الإباحية، مع ممارسة العادة السرية، ويليها الادمان على ممارسة الجنس مع شخص آخر، وتظهر الدراسات أن الرجل المدمن جنسيًا يقدم على ممارسة الجنس مع ما يعادل ١٥ امرأة مختلفة في العام.
أما علاج الادمان الجنسي فهو علاج نفسي، هدفه مساعدة الرجل على التغلب على الأفكار الجنسية الدائمة، واستبدالها بأفكار إيجابية، وهو أمر صعب أحيانًا، إذ أن ممارسة الجنس تؤدي إلى شعور باللذة، يصعب على الرجل التخلي عنه أو استبداله.
ويبحث المعالج النفسي عن السبب وراء القلق الشديد الذي يدفع الرجل إلى اللجوء إلى الأفكار والأفعال الجنسية بصورة متكررة، كما يبحث عن مسببات الضغط في حياته، ويستفسر عن علاقاته مع العائلة والأصدقاء، وعلاقته مع الزوجة والأولاد إذا ما كان الرجل متزوجًا.
ويبحث المعالج أيضًا عن وجود ادمان آخر، كالكحول و المخدرات، وهل هناك أمراض متناقلة جنسيًا أم لا؟
في النهاية، وباختصار، فالادمان الجنسي لا يعرف فقط بعدد العلاقات الجنسية الأسبوعي، فبعض الرجال والنساء يمارسون الجنس بتكرار مع أزواجهم من غير أن يؤثر ذلك على حياتهم العملية والاجتماعية.
ولا نتحدث في هذه الحالات عن الادمان الجنسي، فهو الشعور المُلح والقوي لممارسة الجنس، الذى يدفع الرجل لارتكاب أفعال عنيفة أو إلى الخيانة المتكررة، ويؤدي به إلى إضاعة وقت طويل في التفكير أو البحث عن الجنس، يؤثر سلبيًا على حياته الزوجية، العملية والاجتماعية.
وهناك خطوات لعلاج ادمان الجنس، تتلخص في الآتي:
أولاً:
يجب على الأسرة إذا اكتشفت فردًا من أفرادها يعاني من سلوك الادمان الجنسي أن تحتويه ولا تمارس سلوك التعنيف، بل محاولة تنمية الثقة في نفسه، وأنه قادر على التغلب على تلك الرغبة، ولكن الأمر يتطلب منه العزم والإرادة.
ثانيًا:
حرص الأسرة على إبعاد كافة مصادر الإثارة الجنسية، وتكوين مضاد إيجابي للرغبة الجنسية الجامحة عن طريق الرياضة والإبداعات الشخصية والروابط العاطفية الشرعية كالزواج، وكلها خطوات هامة لعلاج المدمن على الجنس.
ثالثًا:
علاج الأفكار الخاطئة بداخل المدمن، مثل رؤيته للجنس وللمرأة أهم خطوات العلاج النفسي للقضاء على مصدر الإلحاح الجنسي بداخله.
رابعًا:
إخراج المدمن من حالات الفراغ المادي والعاطفي حتى يستطيع المقاومة والنجاح في حربه ضد الرغبة والهوس الجنسي.
خامسًا:
لابد من تنمية احترام النفس والذات داخل المدمن، وأن حالة الهوس الجنسي تقلل من قيمته الإنسانية، وتُخفى العديد من الجوانب الرائعة بداخله.
سادسًا:
تعويد المدمن على حب نفسه، وأن يقود هو نفسه ولا تقوده.
سابعًا:
تنمية القيم الدينية وحب العفة بداخله مع تجنب وصوله إلى حالة جلد الذات، بل يجب أن يصل لمراحل عالية بالثقة بالنفس.
ولابد الانتباه أن العلاج يتطلب إرادة وصبر وتكرار للمحاولة فالفشل مرات لا يعني اليأس، والاستعانة بالطبيب المتخصص ليس عيبًا، ولكن عليك اختيار الجهات المختصة والمدربة والمهنية حتى تتغلب على مشكلتك إن زادت عن حدها.
العلاج المعرفي السلوكي:
يحتاج المريض المدمن على الجنس إلى إعادة تأهيل نفسي، ويمكن أن يكون ذلك هو الحل السحري للتخلص من الادمان على الجنس والعلاقات، والخروج من الدائرة غير المستحبة، والتى تُغضب الله سبحانه وتعالى، وتتم عملية التأهيل النفسي فى الغالب داخل بيوت إعادة التأهيل لضمان فعاليتها، وتكون تحت إشراف طبي متخصص، ويكمن نجاح تلك الطريقة فى العلاج إلى وجود مجتمع علاجي فردي أو جماعي، يعمل على تغيير السلوكيات والأفكار الخاطئة عن ادمان الجنس.
فإذا كنت تعاني من هذه الأعراض، وتفاقمت لديك أضرار الادمان على الجنس، فعليك بالبحث عن متخصص من خلال مركز علاج ادمان وطب نفسي، فلا تتردد فى التواصل والاستشارة وطلب الدعم.